Thursday, June 21, 2012

هُناك - الحلقة الثالثة: أيقظوني! HUNAAK 03



لم تشعر خلايا مخي بالإنهاك من قبل كما شعرت به اليوم.. كانت تتعرض لضغط رهيب وأنا أعتصر آخر قطرة ذكريات فيها.. بلا فائدة! بحثت بين دهاليزها عن تفسير منطقي لكل ما يحصل لي.. وفشلت فشلاً ذريعاً.. لا تزال ذاكرتي مضمحلّةً فيما عدا الأحداث التي عشتها هنا، تذكّرتها بأدق تفاصيلها؛ الذكريات تكون واضحة في المعتاد إذا كانت طازجة ثم تصبح ضبابية وتتبخر مع الـزمن، ولكن ذكريات الأحداث التي مرت بي هنا تختلف، لا أستطيع حتى أن أعتبرها ذكريات من شدّة وضوحها، وكأن ملاك لا تزال تصهرني بين ذراعيها وتغرقني في عينيها. سحقاً لها ما أجملها!استنتجت أنها تعمّدت إنعاش ذاكرتي بشكل غير مباشر! ذكّرتني بملابسي المفضّـلة وبالأغـاني التي أسمعها والـوجـبات التي أعشقها؛ يستحيل أن يكون كل ذلك محض صدفة! ولكن لـماذا تتهرب من أسئلتي؟ لـماذا تدّعي أنها لا تستطيع مواجهتي بالحقيقة؟ هل تنفذ ملاك أوامر شخصٍ ما؟ أو جهة ما؟ من تكونين يا ملاك؟ بالله عليك من تكونين؟
ها أنذا مرة أخرى في هذه الغرفة الشاسعة الفارغة.. سأحاول أن أتأقلم عليها.. أن أستكشفها.. سوف أستخدم حدسي وأناملي.. انطلقت بجنون في كل زاوية في الغرفة أمرر أناملي وأنقر بأصابعي كما فعلت ملاك، وبعد لحظات تحولت الغرفة لعالم آخر تماماً! كنت كلما لمست شئ انفتحت أبوابه وظهرت أدراجه وتوهجت إضاءته، باختصار كانت الغرفة مجهّزة بكل ما يخطر ببال. تداخلت القباب الكريستالية في بعضها البعض فانكشف الـسقف، ارتفعت الستائر وانفتحت جميع الأبواب الزجاجية فأصبحت الشرفة جزءاً من الغرفة، تزحزحت بوابة غرفة الملابس وبجوارها ظهر شئ أستحي أن أسميه "حمام" لأنه أفخم من أفخم قصر رأيته، ظهرت فتحتان دائريتان في منتصف الغرفة وصعد من الأولى مقعد أشبه بمقاعد الليزي بوي أبيض على طرفه طاولة صغيرة، ومن الفتحة الأخرى صعدت ثلاجة اسطوانية شفافة تحوي صفوفاً من المشروبات استطعت أن أميّز من بينها بعض مشروباتي المفضّلة ارتصت أسفلها تشكيلة من الـشوكولاتات التي أعشقها، ومن جهتها الأخرى مكينة استنتجت من الروائح التي انبعثت منها أنها مكينة إعداد قهوة وشاي وجميع المشروبات الكفيلة بترويق أشد المزاجات تعكيراً.. وأسفلها بعض الحلويات والمكسرات والموالح، باختصار فرع لكافيه متكامل داخل غرفتي. لم أستطع مقاومة هذه الإغراءات، فمررت أناملي على الشاشة الصغيرة الملحقة بالمكينة واستطعت التعامل معها بسهولة فاخترت كابتشينو مزين بجبل صغيل من الكريمة المرصعة بقطع التوفي، واخترت صورة كعكة شوكولاتة، ضغطتها فبرزت الكعكة الساخنة تنزف سيلاً من الشوكولاته السائلة وتتصاعد منها أبخرتها وهبطت عليها برفق كرة آيسكريم مزينة بزهرة ڤانيلا حقيقية تشبه التي تبدو على أغلفة الكعك وعلب الآيسكريم. تراقصت في ساحات أنفي روائح القهوة والـتوفي والشوكلاتة والڤانيلا، أخذت ذلك الكارنڤال الـفوّاح، وجلست على الكرسي الذي تثنّى مع ظهري وهو يغوص فيه وظهرت أسفل قدمي وسادة وثيرة رفعتها برفق فأصبحت شبه مستلقٍ على ذلك الشئ المريح، وبجواري قهوتي وكعكتي؛ برزت من الأرض أربعة أعمدة رفيعة حولي، وقبل أن أفكر في ماهيتها أطلقت أشعة أحاطتني باسطوانة متوهجة، كانت عبارة عن شاشة مجسّمة ثلاثية الأبعاد تحيطني من كل جهة. لو كنت مليارديراً في الحياة الحقيقية لأنفقت ثروتي لاختراع شئ كهذا! ظهرت أمامي صور فهمت منها أنها خيارات بين الأفلام والموسيقى والألعاب والكتب، كانت بارزة ومجسّمة أمامي، مددت يدي لصورة الشريط السينمائي فاخترقته وبدأ يتحرك، دفعت يدي في الفراغ فتحركت الصور مستجيبة لتلويح يدي.. إنترنت!!! أحتاج إنترنت لمعرفة ما يدور هنا! يجب أن أتواصل مع أي شخص لطلب النجدة!.. فورما نطقت كلمة إنترنت تحولت الشاشة أمامي، أو بالأصح "حولي" إلى متصفح! نعم سأحلّ اللغز الآن! يجب أن أتذكر بريدي الإلكتروني.. أو حسابي في الفيسبوك.. أو تويتر.. يجب أن أتذكر كلمات السر.. ما استعدته من ذاكرتي لم يسعفني كثيراً.. فتحت مواقع الصحف والأخبار لأكتشف التاريخ : الجمعة 4 إبريل 2014م صحيح تذكرت.. هذا تاريخ اليوم! الحمدلله أنا في نفس الزمن على الأقل بحثت عن اسمي في محركات البحث: حسام خالد الشريف.. ووجدتني أخيراً.. وجدت حسابي على تويتر.. نعم هذه صورتي.. صورة بروفايلي.. أتذكرها جيداً.. وجدت آخر تغريدة كتبتها منذ ثماني ساعات: "الليلة يا طلعة سمك، يا تحدّي بلايستيشن.. ياله من اختيار صعب!". كيف يمكنني الدخول لحسابي؟ سأفتح حساباً جديداً.. يجب في البداية أن أفتح حساب بريد إليكتروني، حاولت أن أنشئ حساباً في قووقل، كل شئ يتوقف عندما أضغط SUBMIT! كررت محاولاتي في هوتميل وياهو وجميع مواقع البريد الالكتروني بلا فائدة! أعتقد أنها مشفّرة، سأستغل الإنترنت بطريقة مختلفة إذاً، سأبحث عن طرق الاستيقاظ من الـنوم والغيبوبة، أمضيت ساعات وأنا منهمك بدراسة كل ما يتعلق بالـنوم والأحلام والغيبوبة والتنويم المغناطيسي، والأهم من ذلك كله كيفية الاستيقاظ منها. أفضل طريقة للاستيقاظ من حلم مزعج هو أن تنام داخل الحلم حتى تستيقظ في الـواقع! شاهدت عشرات أفلام اليوتيوب، كانت جميعها ثلاثية الأبعاد تدور حولي، كان دماغي يعمل بكل كفاءة وتركيز لم أحلم بهما حتى أثناء أعتى الامتحانات الجامعية، شعرت أنني تحولت لعالِم ميتافيزيقي في ساعات قليلة..
ولكنني تلقيت صدمة عنيفة! الوقت لم يتزحزح! بعد عدة ساعات لم يتغير شئ في المواقع، تغريدتي مازالت منذ ثماني ساعات! لم تتم إضافة أي ڤيديو في اليوتيوب ولا أي تحديث أو حتى تعليق في أي موقع!مازالت جميع المواقع تبين أنها الساعة الرابعة وثلاثة وعشرين دقيقة من فجر الجمعة 4 إبريل 2014م  وكأن الزمن قد تجمّد عند تلك اللحظة بالذات! هذا الإنترنت وهمي! عبارة عن قاعدة بيانات غير متصلة بالإنترنت، بل تحوي كل مافي الإنترنت حتى هذا التاريخ أو بالأصح حتى تاريخ انتقالي من عالمي إلى هنا! إذاً فرحتي بأنني لا أزال في نفس الزمن لم تتم! كيف لم أنتبه أننا في عزّ النهار.. يستحيل أن تكون الساعة الرابعة فجراً!.. إذاً أملي هو أن أنام وأكتشف أن كل هذا مجرد حلم! تركت غوصة المقعد لأغوص في السرير، أغمضت عيني.. واسترخيت.. في العادة الـنوم ينقضّ علي قبل حتى أن أناديه.. ولكنني اليوم فشلت ولأول مرة في استدعائة.. مرّت أكثر من ساعة وأنا مستلقٍ على السرير مغمض عيني.. أعصرهما بلا فائدة ! تعبت من التفكير والمحاولات.. حسنٌ، يكفيني ما اكتشفته اليوم.. بما أنني محبوسٌ هنا فسأستمتع بكل ما حولي إلى أن ينهكني التعب وأحضر النوم رغماً عنه!
تجولت في جناحي، اتكأت على حافة الشرفة الشفافة أتأمل المدينة، تبدو مكتظة بالحياة أكثر من البارحة، وضوح الأشياء هنا يكاد يصيبني بالجنون، كل ما أراه وما أسمعه وأشعر به هنا واضح وجلي بشكل مربك، ألقيت ببصري على الشاطئ الرملي، يبعد عن هنا مئات الأمتار، ومع ذلك أستطيع رؤية الناس وتمييز أشكالهم وسماع ضحكاتهم.. هل يستطيع مخلوق أن يقاوم هذا الشاطئ؟!


توجهت إلى غرفة الملابس التي تحوي قسماً خاصاً بالملابس والأدوات الرياضية التقطت شورتاً بماركة أوكلي التي اعتدت على التغزّل بها واخترت النظارة الشمسية التي تحمل نفس الخطوط النارية التي تزينه وأخذت معها پولو تي شيرت تركوازي اللون ومنشفة ألقيتها على أكتافي ونزلت.. كانت فرقة العازفات لا تزال تعزف في البهو.. ولكنهن كن يعزفن ألحاناً نهارية كلاسيكية مرحة أشعرتني أنني في أحد منتجعات ميامي في الستينيات.. لكزَت إحداهن صديقتها لتلتفت إلي.. وفضحتهن ابتسامات الإعجاب وأنا أمر أمامهن وكدن أن يتلعثمن في معزوفتهن عندما بادلتهن الابتسامة.. أغراني ارتباكهن فاقتربت منهن، وانهارت لا مبالاتهن المصطنعة عندما وقفت أمامهن مباشرة وشبّكت ذراعي وأنا أراقبهن بإعجاب. توقفن عن العزف من شدّة الخجل.. فصفّقت لهن بحرارة، صفقة إعجاب بموهبتهن، وتقدير لجمالهن، وتلطيف لاستحيائهن. نزلت الفتاة التي تجلس في المقدمة من مقعدها الرخامي في قلب النافورة فمددت لها يدي لأساعدها، فتبعتها الأخريان:
"أنا ليان"
خشيت أن أهشّم أيديهن الضئيله عندما صافحتهن:
"هذي أختي لين.. وهذي أصغرنا.. لينا"
"تشرّفنا.. وأنا حسام الشريف"
تبادلن ضحكة خجولة متعجّبة عندما عرّ فت بنفسي فبادرتني ليان:
"سيّد حسام، الكل هنا يعرفك"
"هنا؟.. هنا فين؟! المصيبة أنا أصلاً ماني فاهم أي شي هنا إش هذا المكان أصلاً؟!"
"هذا برج الضيافة التابع للمجمّع المركزي في H Universe"
"ما فهمت أي شي! H Universe؟! يعني شعار حرف H اللي في كل مكان يرمز لها؟"
"بالضّبط"
"أنا كنت فاكر إنه أحد فنادق الهيلتون في حقبة ما من حقب المستقبل!"
ضحك البنات بالرغم من أني لم أكن مازحاً، فواصلت أسئلتي:
"طيب كيف أقدر أتنقّل هنا؟ في تكاسي؟!"
"كل شي يخطر على بالك موجود هنا، تحب أجيب لك سيارة؟ يخت؟ طيارة؟"
قالتها وأخذتني بيدي إلى أحد المقاعد في الـردهة فجلسنا ومررت بيدها على الطاولة الـصغيرة أمامها فظهرت صورة ثلاثية الأبعاد للحرف H:
"يعني لو في سيارة أحسن عشان أسوقها براحتي"
تنقلت بيدها بسرعة فظهرت مجموعة هائلة من السيارات ثلاثية الأبعاد، وكأننا في مرحلة اختيار السيارات في إحدى ألعاب الپلايستيشن، وسألتني:
"في سيارة معيّنة في بالك؟"
أجبتها بالعبارة التي أقولها دائماً لموظف استئجار السيارات:
"أي سيارة صغيرة ظريفة وسعرها معقول"
لم تستطع ليان وأخواتها حبس ضحكاتهن، مرّت من بين السيارات المعروضة فاتنة أسالت لعابي فلاحظت ذلك ليان:
"عجبتك الفيراري؟!"
حبست لعابي بصعوبة وأومأت برأسي كفتاة سألها أهلها إن كانت تقبل بالزواج من فتى أحلامها!
"تحب تختار أي لون ثاني؟ وللا عاجبك لونها الأحمر؟"
استمرت إيماءاتي الخرساء البلهاء.. فابتسمت ليان وهي تقول:
"دقيقة وتكون هنا!"
وفعلاً لم تكمل ليان عبارتها حتى ارتفع هدير السيارة ورأيتها تقف بنفسها أمام مدخل المبنى.. تخلّيت عن قواعد اللباقة فتركت لـيان وأخواتها دون حتى أن أشكرهن وتوجهت نحو الفيراري حافي القدمين تكاد منشفتي تسقط عن كتفي.

طبّقت حلم حياتي في تجاهل باب السيارة المكشوفة والقفز على الكرسي مباشرة، وهتفت في سرّي "أرجوكِ سامحيني يا عزيزتي الـكامري.. أرجوكِ !" ارتطم كوعي بحافة السيارة ولكنني لم أفسد اللحظة بآلام كوعي وتكهرب ذراعي، فقط لوّحت لليان وأخواتها اللائي وقفن يراقبنني بسعادة من خلف الزجاج؛ عدّلت الـمرآة أمامي.. ولـكن ماهذا؟! أين الـمـقود؟ لا يوجد مقـود! ولا حـتى دوّ اسات!! فقط زر تشغيل وكرة حمراء متوهجة وشاشة مجسّمة أمامي.. ما هذا أريد أن أقود سيارة حقيقية!
امتعضت جداً جداً.. ولكنني سرعان ما تأقلمت على قيادة هذه اللعبة، فتلك الكرة العجيبة تتفاعل بسلاسة مع حركة يدي، أدحرجها يميناً ويساراً للانعطاف وأدفعها للأمام لزيادة السرعة وللخلف للتراجع وأضغط عليها لتخفيف الـسرعة والتوقف؛ شعرت أن قدمي اليمنى ويدي اليسرى معطلّة تماماً، ليست معتادة على كل هذا الكسل أثناء القيادة. ما أجمل صوت انسياب العجلات على الطريق والرجفة اللذيذة التي تحدثها مربعاته الصخرية؛ لم أتهور، لا أعرف أنظمة وقوانين هذا المكان، فاكتفيت بقانون "يا غريب كون أديب" حتى إشعار آخر. كان الطريق الصخري يشقّ الحديقة التي تفصل البرج عن الـشاطئ، وينعطف بمحاذاة الساحل ويمتد عبر مبنىً على شكل قوقعة عملاقة مغطاة بمادة لؤلؤية مصقولة. هذا المبنى عبارة عن مجمّع تجاري متكامل، تباطأت سيارتي وأنا أمر بجوار الڤاترينات، لست متأكداً إن كان هؤلاء الواقفون خلفها عبارة عن إسقاطات ثلاثية الأبعاد أم مجسّمات حية أم أشخاص حقيقيون! فضولي جعلني أدوس على كرة القيادة لا شعورياً فتوقفت الفيراري أمام بوّ ابـة المبنى ونزل الـشاب الوسيم المحروم حافي القدمين ليقتحمه! شعوري الآن يشبه شعوري في الـمرّة اليتيمة التي زرت فيها دبي عندما جمعت أول راتبين أتقاضاهما في حياتي وسافرت مع أمي ومرام.. الشهقة التي شهقتها ذلك اليوم عندما دخلت دبي مول لأول مرة تساوي تقريباً واحد من ألف من الشهقة التي شهقتها اليوم!! تسكعت في ذلك الـمول لعدة ساعات، مول؟ لا لا إنني أهينه بهذا الوصف.. هذا حتماً شئ آخر! جنّة من التسوّق والمتعة.. وليكتمل نعيم هذه الجنّة لم يطلب مني أحد أي نقود! لا نقود، ولا بطاقات ائتمانية ولا صرّافات آلية... نسيت الكلمة اللعينة الأكثر اعتصاراً للقلب وتوريماً للقولون: "الميزانية"! فقط ألتقط ما يعجبني فتلفّه لي البائعة وتضعه في الكيس بكل ود وتودعني باسمي.. فعلاً الكل هنا يعرفونني! حتى الأطفال يشيرون إلي ويفلتون أيادي آبائهم ويهرولون نحوي ليلقوا التحية ويلتقطوا معي الصور.. أرجوكم ذكّروني أن أكافئ نفسي وعقلي الـباطن على كل هذه الدقّة والإبداع بعد أن أستيقظ من هذا الحلم!
تجوّلت بين محلات السوق وتبضّعت بكل طفاسة ثم عـرّجت على ردهة المطاعم وحيّرتني بعض الخيارات قبل أن أعدل بينها وأجربها جميعاً. توجهت إلى قاعات السينيما المجسّمة ودخلت في قلب الفيلم الذي اخترته مع طنجرة الناتشوز وسطل الكاراميل پوپكورن وبرطمان الآيسكريم.. لأول مرة في حياتي تنهكني المتعة ويتعبني الأكل! أستطيع أن أقضي عدة أيام -أو أسابيع- في الاستطلاع والاستمتاع هنا. ولكنني في نفس الوقت لا أريد أن أفوّت متعة السباحة، سأغادر الآن قبل أن يحل الظلام، استوقفني محل للمجوهرات قبل أن أصل للبوابة، دخلت أبحث عن هدايا مناسبة لأمي ومرام، وحتى لو كان كل هذا مجرد حلم، فلطالـما حلمت بإسعادهن، أخذت كل ما عرضته علي الـبائعه تقريباً وطلبت منها أن تزيّنها وتضعها في كيسين منفصلين، أحدهما لأمي والآخر لـمرام سأحكي لهما عن هذه الهدايا بالتفصيل عندما أستيقظ!
"ما تحب تاخذ أي شي ثاني سيد حسام؟"
قالتها البائعة في اللحظة التي لفتت انتباهي فيها تحفة صغيرة عبارة عن قطعة ألـماس لونها يحمل نفحة زهرية على شكل قلب يحتضنه جناحان من الذهب الأبيض. في الحقيقة ذكّرتني بملاك.. 
"هذي أكثر قطعة مميّزة عندي، ذوقك رائع سيد حسام"
طالما أن كل شئ هنا مجّاني فلم لا أكون فتىً لبقاً وأقدم لها هدية في مقابل دعوتها اللطيفة لي. لن أضيع كيساً من أجل قطعة صغيرة، فألقيتها في جيبي وحمل كل إصبع من أصابع يديّ نصيبه من الأكياس، حشرتها في الفيراري وانطلقت نحو الشاطئ.
كان الشاطئ مكتظاً بالناس، يلعبون يسبحون يسترخون؛ مشيت على الرمال البيضاء.. كانت ناعمة جداً.. كأنها كرات رخامية صغيرة، تغوص أقدامي فيها لكعبي مع كل خطوة؛ فكّرت في أن أتعرف على الـناس هنا، أن أسألهم أين أنا، ولكنني خجلت بصراحة، لن أجرؤ على الحديث معهم، أعتقد أن عقدة ا"الشاب" و"العوائل" لا تزال تطاردني حتى في أحلامـي! موســيقى فــرقة "الحســناوات الخــجولات" (هــكذا أسميت فرقة ليان وأخواتها ) تملأ المكـان انضــم إليهــا عزف الأمواج والطيور التي قررت أن تشاركنا السباحة واللعب، رأيت طفلة صغيرة تعلّقت في بالونها وسط المياه وأخذت تطعم الطيور التي تجمعت حولها، وعلى كتفها ورأسها.. لتضع ضحكاتها اللمسة الأخيرة على الموسيقى الرائعة، من شدّة صفاء المياه كنت أرى ظل الطفلة وظل الطيور بوضوح على قاع البحر.. لولا تكسر تلك الظلال قليلاً بسبب الأمواج واللون الفيروزي الخفيف الذي اكتساها لظننت أنها معلقة في الهواء.. لن أعود لعالمي قبل أن أحلل كل شئ هنا! سحبت نفساً عميقاً، ركضت نحو المياه المغرية، التقطت قنينة شاي مثلج أزرق من الكشك المنصوب في وسط المياه، فتحتها وأنا أركض، ارتشفت رشفة وصببت الـباقي على رأسي، ألقيت بمنشفتي بعيداً، وقفزت قفزة عالية في الهواء، أو بالأحرى "طِرت" قليلاً.. تذكرت في تلك اللحظة بالذات أنني لا أجيد السباحة بدون العوامات، ولكن طز! كما تعلّمت الرقص في لحظة سأتعلم السباحة! غمرتني المياه.. شعرت بلسعة برد لطيفة لم تستمر سوى ثوانِ بسيطة.. يا إلهي.. المياه ليست مالحة.. بل عذبة.. وكأنني أسبح في بحر من الإڤيان! فتحت عيني وكانت الرؤية واضحة جداً، توغلت لأكتشف جنة أخرى تحت الـماء، تعبت عيني من كثرة الألوان؛ والعجيب أن المخلوقات هنا ليست مصابة بالرّهاب القهري كما في عالمنا.. أمد يدي للأسماك الصغيرة فتتجمع حولها وأشعر بزغزغة قبلاتها في يدي وذراعي.. نَفَسي الذي كان لا يسعفني لبضع ثوانٍ أبقاني تحت الـماء لبضع دقائق قبل أن تطالب رئتاي بالمزيد من الأكسجين. استلقيت على ظهري وطفوت على سطح الـماء.. لـقد ابتعدت كثيراً عن الشاطئ لـكن موسيقى فرقة الحسناوات لا تزال واضحة، لمحت في الجهة الأخرى من الشاطئ مجموعة من .. من... شئ يشبه كثيراً الجِت سكي.. يااه كم كنت أتمنى أن أمتطي هذا الشئ! لم أتجرأ على ركوبه من قبل، فنصف ساعة عليه كفيلة بتدمير ميزانيتي الشهرية! سبحت نحوها.. إنها لحظة الإنتقام من جميع مؤجري الجِت سكي الجشعين المفترين!.. كانت تطفو على سطح الـماء بالعشرات، لم يكن هناك أحد يؤجرها، اخترت واحداً يتماشى مع ألوان ملابسي.. قفزت عليه.. وانطلقت. كانت جرأتي وشجاعتي تزداد كلما زادت سرعتي وأنا أنطلق وسط أمواج الكريستال الأزرق، محدثاً موجتين مرتفعتين عن يميني وشمالي، كنت أتجه بسرعة نحو الجهة الأخرى من ذلك الخليج حيث المدينة الهائلة، لكنها أبعد بكثير مما تبدو؛ جربت بعض الحركات البهلوانية التي كنت أشاهد الشباب بحسرة وهم يستعرضون بها على الجِت سكي.. فحاولت رفع نفسي وأنا منطلق بسرعة هائلة فارتفع معي الجِت وانطلقنا في الهواء لبضعة ثوان، لأعود للمياه وأغوص فيها كالسهم قبل أن أطفو مرة أخرى.. فكّرت للحظة في انتهاء وقود هذا الشئ وأنا في وسط البحر، لن أجد من ينقذني هنا، فقررت أن لا أتمادى في تهوّري وعدت أدراجي؛ لاحظت شخصاً آخر يتقدم إلي على الـجِت، كان متجهاً نحوي بالـضبط، أعتقد أنه من رجال الأمن يريد أن ينبهني أنني تجاوزت جميع لوائح السلامة؛ كان يزيد من سرعته وهو يتقدم نحوي. من هذا المجنون؟ سيحطّمنا جميعاً! حاولت الانحراف بالجِت ولكنه ارتطم بي من الجهة اليمنى ارتطامة عنيفة فطرت عن الجِت وسقطت في المياه، شعرت بآلام رهيبة في ساقي اليمنى وصدري وحاولت أن أصارع المياه لأعود للسطح وألتقط أنفاسي، ولكنني شعرت بلكمة عنيفة في بطني وبذراعين قويتين تسحبني نحو الأسفل..
تمزّ قت رئتي وهي تستنزف آخــر ذرّة أكســجين، بدأت أفــقد وعيي، لم أعد أرى سوى الظلام، وسمعت صوتاً واضحاً يوبّخني: "دايماً تتأخر عليا يا حسام!" ورأيت وجهها.. رأيت وجه أمي بوضوح وهي تعاتبني؛ حاولت أن أصل إليها ولكنني شعرت بذراعين أحاطت بخصري وسحبتني إلى الأعلى بسرعة وسمعت صرخة انطلقت في لحظة وصولنا لسطح الماء:
"حساااام.. حسام! خليك معايا يا حسام! أصحى يا حسام.."
فتحت عيني بتثاقل، لقد كانت ملاك! تحيطني بذراعها وتسبح بكل قوتها نحو الشاطئ، ألقتني على الرمال وألقت بنفسها جواري لتلتقط أنفاسها، ولم تلبث أن هبت تفحصني، سحبت رأسي على حجرها وأخذت تلطمني بتوتر وهي تقول:
"حسام خليك صاحي يا حسام، لا تقفل عينك.."
"لا تخافي أنا زي الحصان أهه!"
قلتها وأنا أسعل فضمّت رأسي وهي تبكي وتقول:
"حرام عليك تسوي فيا كذا! كنت حتموتني من الخوف عليك!"
"ما كنت أدري إنه فيه شي ممكن يضرّني في عالم الأحلام!"
"أحلام؟ برضك تقول أحلام؟!"
قالتها وهي تنزع قميصي وتشقه بطرف أسنانها لتربط به ساقي التي تنزف بغزارة..
"شايف الجرح؟ شايف الدم؟ حاسس بالألم؟ كل هذا حلم؟"
تحسست ساقي لتتأكد من عدم وجود كسور وكأنها طبيبة استشارية في العظام.. وتحسست الكدمة الـزرقاء على صدري..
"الحمد لله مافي كسور.."
"عندكم هنا مستشفى؟"
"ما يحتاج.. رح تتعافى بسرعة.. بس خلينا نستريح شوية وبعدها أوصلك.."
استلقت على الرمال واستلقيت جوارها لأتلقى عتابها:
"حسام إش سويت بنفسك؟ إش حصل بالضبط؟"
"تسأليني أنا؟ كنت أحسبك تعرفي كل شي هنا!"
"إش يدريني إش حصل لك.. أنا حسيت إنك في خطر وجيت على طول!"
"إنتي بتجننيني؟ كيف عرفتي إني في خطر؟ وكيف عرفتي إني هنا أصلاً؟ كيف بتعرفي كل شي أفكر فيه؟"
"عادي إش فيها؟"
"كيف عادي؟"
"قلت لك غريزة! تقدر تقول تيليپاثي، ما عمرك سمعت بالتيليپاثي؟ التخاطر؟"
"أسمعي يا ملاك أنا لا أؤمن بهذي التخاريف!"
"هذي ماهي تخاريف، التخاطر موجود عند كل الكائنات، الحيوانات تتخاطب مع بعضها بالتخاطر! مو بس الحيوانات، حتى النملة تعرف تتخاطر!"
"أنا ماني نملة!"
"البشر عندهم أقوى جهاز تخاطر.."
"لو عندي جهاز تخاطر ما كان عديت اختبارات الجامعة بالدّف!"
"عندك لكنك ما بتستخدمه! جهاز التخاطر عند البشر ضعف وضمر لأنهم اعتمدوا على وسائل الاتصال المباشرة والمحسوسة أكثر!"
"يعني إنتي تحسّي بكل شي أحس بيه؟"
"تقريباً!.. دحين سيبك من كل هذا وقول لي إش اللي حصل؟"
"واحد مجنون صدمني بالجِت.."
"مستحيل! مو معقول! فاكر شكله؟"
"ما انتبهت! إنت لو تفهّميني بس أنا فين عشان نعرف إش اللي حصل!"
"ما أقدر!"
"طب حاسألك وإنتِ جاوبي بإيوه أو لا.."
"تفضل يا سيدي.."
"أنا بدأت أتأكد إني في تجربة دماغية، يعني مخدّر أو في غيبوبة.. وإنه كل اللي باشوفه عبارة عن برنامج افتراضي واقعي وأنا عايش فيه ودماغي مقتنع إنه حقيقي!"
"هههههه قلت لك إنك متأثر بالأفلام!"
"إش قصدك؟"
"ماتريكس، إنسيبشن، ذي سل، ڤانيلا سكاي، توتال ريكول.. فكرة مستهلكة شفتها في خمسين فيلم!"
"هذا التفسير المنطقي الوحيد للي بيحصل هنا.. كل شي هنا زي الحلم.. زي السحر!"
"زي السحر؟"
"إيوه زي الـسحر.. كل شي مثالي.. كل شي يستجيب للمساتي ويقرأ أفكاري.."
"باسألك سؤال: تخيل إنك تاخذ تلفونك أو كمبيوترك وتورّيه لجد جدك.. تخيّل يشوف الأفلام ويعمل تشات مرئي ويتفرج على اللي بيحصل في الدنيا في جهاز قد الكف.. إش حيقول؟"
"سحر!"
"زيّك بالضبط..! لو استمرت الثورة التكنولوجية في عالـمك بنفس الإيقاع رح تشوف كل الأجهزة اللي بتقول عنها سحر في كل بيت.. في غضون عشرين سنة بالكثير!"
"يعني أنا في المستقبل صح؟"
"لأ!"


ثرت فيها هذه الـمرة.. لم أعد أحتمل! اعتدلت في جلستي وأمسكت بتلابيبها وهززتها بقوة وأنا أصرخ:

"أجل أنا فين؟ قولي لي!! أنا فين؟"
رأيت نظرة رعب في عينيها الواسعتي فازداد انعكاس السماء والبحر عليهما:
"خلاص حاقول لك على كل شي!"
قالتها وهي تتلفت وكأنها تخشى أن يرانا أو يسمعنا أحد..
"هذا اللي انت شايفه عبارة عن جزء من تجربة علمية سريّة!"
"تجربة سريّة؟!"
"أنا اسمي نتاشا.. نتاشا تورغينوف.. عميلة في منظمة Международной Hаучной Pазведки العلمية! التقنيات هنا ما تخطر ببالك، إنت موجود عندنا من سنة كاملة! سويّنا لك مجموعة عمليات تجميلية مع تحوير جيني.. أنجح عملية تحوير جيني كاملة للآن!"
هبط علي الخبر كالصاعقة، كان لابد أن أستنتج أنني فعلاً داخل تجربة علمية! لا بد أن أستنتج أن مخلوقة كهذه لا بد وأن تكون نتاج عمليات تجميلية وتطويرات جينية وتدريبات استخباراتية عالمية!! واصلت ملاك.. أقصد نتاشا تورغينوف:
"أنا المكلّفة بملفك، طبعاً الـتدريبات بدأت من عدة سنوات كان لازم أدرس حالتك وتاريخك وكل ما يتعلق بك، لـدرجة إني اتعلمت لغتك ولهجتك وكل تفاصيل حياتك! لازم نراقبك وانت عايش في بيئة مثالـية عشان نقدر ندرس كل التطورات الجسمانية والذهنية اللي طرأت عليك بعد العملية. مستحيل يسمحوا لك تخرج وتخرب التجربة.."
"مو معقول، مستحيل أصدق! ليش أنا بالذات؟!"
"ومين قال إن البرنامج لك إنت بالذات، إنت حاله من ١٤٠ حالة تم اختيارها من مختلف بلدان الأرض، كل حالة نستضيفها هنا فترة معينة طبعاً بعد ما نعدّل بعض الأشياء في هذا الـعالم الاصطناعي وندرب السكّان هنا، أو بالأصح العملاء على التعامل مع كل حالة على حدة!"
"يعني أنا فار تجارب؟ حياتي تغيّرت للأبد؟!!"
"لا.. هذي كمان مخاطرة بالنسبة لهم، بعد انتهاء التجربة رح يعملوا لك عملية تحوير جيني عكسية، ويرجّعوك ويقنعوك ويقنعوا الناس إنك تعرضت لحادث وفقدت ذاكرتك لفترة إلين ما لقيوك قوات الأمن في قرية وتعرّفوا عليك ورجّعوك لأهلك.. طبعاً الحادث رح يكون مبرر للتغييرات اللي بتبقى بعد العمليات، بس اطمئن رح تنسى كل شي شفته هنا.. واللي حتتذكره رح يكون زي الحلم.."
"وبعدين؟"
"وتوته توته وخلصت الحدوته!"
قالتها واختفت ملامح الجديّة المصطنعة من وجهها لتحل محلها ضحكة طفولية خرجت من أعماقها واستلقت على الرمال وهي تواصل الضحك.. تمنّيت أن أصفعها بشدّه على خدودها الدرّاقية.. تمنيّت أن ألكمها وأحطّم بعض أسنانها اللؤلؤية! ولكنني لم أتهور.. فقط وقفت بصعوبة على ساق واحدة، وثنيت ساقي الأخرى التي لا تزال تنزف، وتركت ملاك؛ وقفَت فوراً لتلحق بي وأخذت ذراعي حول كتفها وأحاطت خصري بذراعها لتساعدني على المشي..
"حسام بلا بياخة.. لا تكون زعولي!"
"لو كنتي مكاني كان حسّيتي باللي أنا فيه!"
"والله إني حاسه بيك.. وقلبي يتقطع عليك! والله إني باسوي كل شي أقدر عليه عشانك!"
قاطعتها معترضاً:
"حاسّه بي؟ مستحيل!! أنا حياتي اختفت وماني قادر أرجع لها، أبغى أحقق أحلامي، أسعد أمي وأختي وأنجح في وظيفتي، أبغى أتزوج وأفتح بيت وأخلّف عيال!"
داست عبارتي الأخيرة على قلبها بقسوة، فتجاهلت كبرياءها وهي تقول:
"يعني ما تمنّيت حتى إني أرجع معاك؟ وأصير جزء من حياتك؟!"
استمرّت قسوتي الجارحة وأنا أقول:
"تعيشي معي؟ قصدك أتزوجك؟ مستحيل! ما اختفلنا على جمالك لكني ما أعرف عنك أي شي.. ما أعرف أصلك ولا فصلك ولا عايلتك.. ولا حتى ديانتك ومذهبك!"
تبّاً لي! كيف سألطف رعونتي؟ أتمنى أن لا تكون هديتها سقطت من جيبي؛ لحسن الحظ لا تزال هنا:
"تفضلي"
التفتت بوجهها التي أشاحته قبل قليل وافتضحت دمعتها، ولكن الدمعة تبخّرت بابتسامتها عندما رأت العلبة البيضاء الصغيرة:
"حسااام"
التقطت العلبة وفتحت شريطتها المخملية المبتلة بلهفة وكادت أن تفقد الوعي عندما رأت هديّتي البسيطة، ألجمتها سعادتها، فتناولت العقد الصغير من يدها، وتقافزت على قدمي السليمة لألتف خلف ظهرها فرفعت هي شعرها من الخلف لتكشف عن جيدها؛ أتمنى أن لا ينزلق القفل الزنبركي من بين أظافر سبابتي وإبهامي مئة مرة كما يفعل كلما حاولت أن أساعد مرام في ارتداء طقمها الوحيد؛ سحقاً كل هذا التطوّر هنا ولم يخترعوا قفلاً سهل التركيب.. آه نجحت أخيراً!:
"أتمنى يعجبك!"
التفتت إلي ملاك وهي ممسكة بجناحي الألماسة بين أناملها بمحاذاة نحرها وسعادتها تفيض عليها فتزيدها بريقاً زهرياً خجِلاً من جمالها. فاجأتني ملاك بمعانقتي وطبع قبلة صاهرة على خدي؛ صدمةٌ لم يحتملها قلبي ولا ساقي الوحيدة التي تركزني، فاختل توازني ووقعت.. وقعنا سوياً قبل أن تنهي قبلتها.. رفعت رأسها ونظرت إلى عيني مباشرة:
"هذي أحلا لحظة في حياتي، ربي ما يحرمني منك يا حسام!!"
تلك الوضعية أمام الملأ أيقظت بداخلي الحس المتحفّظ فأزحتها بلطف، فوقفَت وساعدتني على النهوض واحتضنتني بحب لتركزني أثناء المشي، فقلت بلامبالاة مصطنعة:
"يعني، حاجة بسيطة كذا.. تقدري تعتبريه عربون امتنان على عزومتك اللطيفة، على فكرة هذي ألـماس أصلي! مو فالصو، ولونها نادر جداً"
أود أن أسألكم سؤالاً، وأرجوكم أرجوكم أجيبوني بصراحة: هل رأيتم أو سمعتم في حياتكم عن شخص أكثر صفاقة وبجاحة وتخثراً في الدم مني؟؟!! الحمدلله أنها استحملتني:
"حسام، هذي أول هدية تجيني في حياتي!، ما يهمني تكون من ألماس أو من قزاز.. المهم إنها منك إنت يا حسام"
هل أصدّقها؟ يستحيل أن أصدّق أنني أملك أي شئ يجعل إنسانة عادية تحبّني.. قطعت حبل أفكاري عندما قالت:
"لكن هذا ما يمنع إني زعلانه منك!! وعلى فكرة.. أنا ما عملت ولا عملية تجميل.. كلّه خلقة ربنا! أتمنى ما يكون في شكلي شي مو عاجبك!!"
سحقاً.. يجب أن أنتبه حتى أثناء حديثي مع نفسي، فهذه المجنونة تستمع إلى خواطري.. أظنها تعرف ما أفكر فيه الآن.. سحقاً سحقاً!!
"حسام أرجوك لا تشغل نفسك بشي دحين، أحسن شي إنك تساير الأمور وكل شي رح ينحل بإذن الله!"
"على قولك.. متأكد إني رح أتذكر كل حاجة.. وأعرف أنا فين وكيف أرجع لأهلي!"
"وأنا رح أساعدك! صدقني.."
"وأعرّفك عليهم"
أخجلها تلميحي جداً.. كنا قد وصلنا للفيراري، فأزاحت بعض الأكياس لتجلسني بجوارها وتقود هي السيارة.. كانت معظم آلامي قد تلاشت والتألمت جروحي عندما وصلنا لمدخل البرج:
"حسام.. لو احتجت أي شي قول لي.."
"أحتاج قلم.. قلم ودفتر عشان أكتب كل حاجة تحصل هنا!"
"يعني اشتريت نص المول وما اشتريت قلم؟! ولا يهمًك رح أجيب لك جهاز يغنيك عن كل شي.."
"فكرة القلم خطرت ببالي الآن.. أبغى قلم.. قلم عادي ودفتر.. ما حاقدر أثق في أي جهاز هنا.."
"ماشي زي ما تبغى.. أي أوامر أخرى يا حسام باشا؟"
"لا تزعلي مني.. الله يخلّيكي يا ملاك لا تزعلي مني"
تهللت ابتسامتها لعبارتي.. فلم تجبني.. وإنما اكتفت بتناول يدي ولم ترفع عينيها وهي تقول.
"أنا لو علي أفديك بروحي يا حسام.."
تأملتها.. يستحيل أن يكون فيضان مشاعرها مجرد تمثيلية.. يستحيل أن يكون كل هذا مجرد وهم.. أعترف أنني أثق فيكِ يا ملاك.. أعدك أن أطبّق ما طلبتيه مني وأترك كل شئ يسير هنا إلى أن أعرف أين أنا.. وأعود لأهلي.. أو أيأس وأعيش بقية عمري معك.. هنا!